حوارات

المنتجة فتيحة بوروينة تتحدث عن الإنتاج وظروف تصوير “الصيام الأزرق” …

سوق الوثائقيات راكدة والرهان على قناة “وثائقية” وطنية تنعش الطلب والعرض

يكفي متابعة انطباعات وردود فعل الذين تابعوا عرض الفيلم الوثائقي “الصيام الأزرق” على الجزائرية الثالثة على التلفزيون العمومي وعلى الصفحة الرسمية للكاتبة الصحفية والروائية والمنتجة فتيحة بوروينة، لندرك سريعا أن العمل حظي بإعجاب الكثيرين على رأسهم توارق الهقار، الذين أثنوا على الاحترافية والموضوعية التي ميزّت الفيلم وسعادتهم أن منتجا تعاطى بأمانة وموضوعية ومسؤولية مع الموضوع دون تحريف أو استهتار!
في هذا الحوار السريع مع كاتبة سيناريو الفيلم ومخرجته تتحدث السيدة “فتيحة بوروينة” عن ظروف تصوير الفيلم وانتاجه ، وعن سبب اختيارها التخصص في إنتاج الوثائقيات بعد مسار مهني في الصحافة يزيد عن 25 سنة، وعن واقع إنتاج هذا النوع من الأعمال في الجزائر، وفيما يلي نص الحوار :

 دي زاد بيبول : جميلة ومحفزة جدا الانطباعات التي أعقبت عرض الإعلان الترويجي للفيلم على صفحتك على الفايسبوك ومن بعده الرابط، هل هذا مهم بالنسبة للمنتج؟

فتيحة بوروينة : مهم جدا طبعا، يبقى المشاهد هو الناقد الأول بامتياز لأي عمل، لا يحتاج الأمر لعبقرية كبيرة لمعرفة إن كان العمل مقبولا أم لا، العامة هي من ترفع العمل أو تسقطه أرضا، يكفي ان يكون العمل جميلا ليلفت الانتباه. لقد حلّت مواقع التواصل الاجتماعي محل النقاد، على قلتهم، والكثير من النقاشات والجدالات التي تعقب أي عمل، مصدرها شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخيرة (فلتر) أي مصفاة لغربلة الغث من السمين، لكنها في كل الأحوال لا تحل محل أهل الإختصاص، أي النقاد السينمائيين، عندما يتعلق الأمر بالاعتبارات الفنية والتقنية البحثة. لاشك أن أي منتج عندما يستقبل في بداية الطريق ردود فعل محفزة كهذه، لا شك ينسى كل التعب الذي كابده واقعا، وقد يفتح ذلك شهيته للقفز سريعا نحو إنتاج جديد رغم أن العملية ليست سهلة بتاتا!!

 دي زاد بيبول : على ذكر التعب والواقع الصعب، كيف جرى تصوير الفيلم، وفي أي الظروف، وكيف اهتديت إلى موضوع الوثائقي ذاته، و لماذا الصيام الأزرق؟

فتيحة بوروينة : في الحقيقة تربطني علاقة وطيدة بتوارق الهقار، منذ التسعينيات، لقد سبق وأن أنجزت تحقيقا مطولا عن النساء التارقيات نشر في 3 أجزاء عندما كنت صحفية محققة بالقسم الثقافي ليومية المساء العام 1991، بقيت هناك شهرين كاملين ، وعلمت فيما بعد نقلا عن الإعلامي الراحل سهيل الخالدي، وكان صحفيا آنذاك بيومية الشعب، أن التحقيق تم اعتماده كوثيقة مرجعية بهيئة اليونسكو، وهذا لِكّمِ المعلومات المهمة التي احتوى عليها التحقيق. كان مكوثي بصحراء الهقار كل ذلك الوقت فرصة لنسج شبكة علاقات مع الفاعلين في مجتمع “إيموهاق” تحديدا، والتعرف عن قرب على عاداتهم وتقاليدهم ومنها ما يرتبط بالشهر الكريم. عنما أطلقت وكالتي الصغيرة للإنتاج السمعي البصري” فكرة برود” Fikra Prod رفقة أولادي مستفيدة من آلية دعم تشغيل الشباب ANSEG ، كان أول موضوع رغبت في الاشتغال عليه، هو موضوع صيام التوارق، أي الرجال الزٌرق، كما يطلق عليهم ومنها جاء عنوان الوثائقي ” الصيام الأزرق” .

 دي زاد بيبول : لكن ماذا عن تصويره ؟ هل تم ذلك فعلا في رمضان؟ حدثينا عن ظروف التصوير في عمق الصحراء؟

فتيحة بوروينة : صعبة جدا، خاصة عندما يرافقك فريق عمل شاب اعتاد على العمل في الشمال البارد والمريح، ومطلوب منه العمل في رمضان، أي وهم صيام وفي عز الصيف وفي الجنوب؟ هل تتصورين ذلك؟ لقد تم تصوير الفيلم بمدينة تمنغست رمضان 2018 وتحديدا شهري ماي وجوان، وفي 5 قرى أخرى ، في ” طِزِيت” ( 235 كلم جنوب تمنغست) وفي “هيرافوك” ببلدية إدلس ( حوالي 170 كلم عن تمنغست) وفي “أتاكور” (تبعد عن تمنغست المدينة بحوالي 80 كلم إلى الشمال) ، وفي ” تابَرْبَرْتْ” (280 كلم جنوب تمنغست) وفي مدينة ظازروك نفسها ( 250 كلم جنوب تمنغست). المضحك أنني كنت أنا من يطبخ لفريق العمل، و أتسوّق الصباح من أسواق تمنغست المدينة وفريق العمل نائم، وأعّد المائدة الرمضانية بـ (الشان والطبع) حتى يشعر الشباب أنهم حول مائدة (الماما) لا ينقصهم شيئا، شوربة و بوراك و مثوم وشطيطحة جاج وبريك و لحم حلو و تحليات عاصمية وكل ما طاب ولذّ. كنت أفعل ذلك بالموازاة مع تأكيد الارتباطات صباحا للاشتغال مع أصحابها عصرا أو في السهرة!!
أكثر ما عانى منه فريق العمل هو اضطرارنا للتنقل صباحا إلى القرى التي ذكرت سابقا وقطع مسافات تزيد عن 150 كلم للوصول إلى أقربها مع موعد الإفطار، ثم العمل ليلا. نفس الشيء بالنسبة للمشاهد التي كان يجب تصويرها في النهار والخاصة بالأسواق، سوق “الصفصاف” بقطع الواد، والسوق القديمة، أو “سوق الشاوية” كما تسمى، وسوق “الطاولة” بمنطقة تهقارت، والمشاهد الخاصة أيضا بحركة الناس في الشوارع ومرافقة عائلة “شذاب” وهي عائلة تارقية عند طبيب جراح لختان طفليها حميد ونصر الدين. مع ذلك كان العمل ممتعا لأن الناس هناك كانوا نبلاء ومتعاونين ووفروا لنا كل ظروف التصوير المثالي التي يطمع في توفرها كل منتج.

 دي زاد بيبول : ولكن لماذا تركت فتيحة بوروينة العمل الصحفي، وهي الآن واحدة من أهم الأقلام الصحفية في الجزائر، و تتجه نحو مجال معروف بمشاكله وهو مجال الإنتاج ، والأكثر من ذلك مجال الوثائقيات!

فتيحة بوروينة : سؤال مهم ، لكن أقول بدءا أنها محطات وتجارب تصنع في نهاية المطاف المسار المهني لكل واحد منّا، وفي الحقيقة لم أبتعد بعيدا عن عملي الصحفي، بمعنى عالم البحث والتقصي والتحرير، في عالم الوثائقيات هناك الحاجة لمعرفة المجتمع ومواضيعه، هذا مهم وذاك غير مهم، هذا موجود وذاك غائب، ليس هناك أفضل وأقدر من الصحفي المتمرس للإشتغال على الوثائقيات، فهي ملعبه بلا منازع، الوثائقيات تحتاج لأهل الاختصاص، أي الذين تمرسوا على فعل الكتابة والبحث ونسجوا شبكة علاقات تنفعهم خلال الاشتغال على مضمون الوثائقي بحس علمي وأمانة. وفي الصيام الأزرق مثلا، لم أتوقف عند مظاهر الصيام، بل رحت أبحث عن مختصين وباحثين في التراث التارقي لنستفهم منهم حول علاقة التارقي بالصيام وكيف هي فلسفة الصيام عنده، وعلاقته بالطبيعة القاسية والصحراء ، كيف كان صيامهم زمانا وكيف هو اليوم عندما غادروا الجبل والفيافي واقتربوا من المدن لدواعي الصحة وتعليم الأبناء، كان مهما بالنسبة لنا على الأقل منهجيا ،من من هم التوارق ( تحديد المصطلحات) و اهتدينا لمن شرح ذلك لنا شرحا وافيا بعيدا عن الأخطاء الشائعة عن هؤلاء!

 دي زاد بيبول : ولكن التوجه نحو الوثائقيات كتخصص مغامرة حقا في بلد لا وجود فيه أصلا لصناعة الوثائقيات؟

فتيحة بوروينة : صحيح القول إننا لا نملك صناعة الوثائقيات، لكن لا بد من الإستثمار في هذا المجال، والبدء فيه، و إن بحثنا عن من يشتغل حاليا على الوثائقيات، (لا أتحدث عن الروبورتاجات التلفزيونية ) بل الوثائقيات السينمائية، فهم ثلاثة أو أربعة !! لماذا يحدث هذا؟ الجواب سهل، وهو صعوبة خوض هذا المجال لغير المتخصصين فيه، لأنه مجال متعِب وسوقه راكدة ، وهذه هي المأساة، مغامرة حقا أن نتجه نحو صناعة الوثائقيات في بلد تجد صعوبة كبيرة في إقناع رجل أعمال في تمويل مشروعك، هؤلاء ( أي رجال المال والأعمال) اعتادوا على تمويل الدراما تحديدا ونحتاج لوقت لإشراكهم في المجال.

 دي زاد بيبول : ماذا عن المقترحات التي من شأنها الدفع بمجال صناعة الوثائقيات إلى الأمام حتى لا يشعر المشتغلون عليها أنهم يغامرون؟

فتيحة بوروينة : أرى أن بإمكان وزارة الثقافة الرمي بثقلها في دعم هذا المجال وتحويله إلى صناعة قائمة، لا تنقصنا المواضيع ولا الكفاءات، خاصة والقطاع تعزز منذ جانفي 2020 بكتابتين للدولة، واحدة مكلفة بالإنتاج السينمائي والأخرى بالإنتاج الثقافي، فكيف لنا ألا ننجز شيئا في المقام والدولة ترصد لقطاع الثقافة كل هذه الآليات والصناديق ومنها صندوق دعم الإنتاج السينمائي وتطويره ( FDATIC) ، بإمكان الدولة إطلاق قناة وطنية متخصصة ” الجزائر وثائقيات” ستكون لا شك وعاءا هاما لإنتاجات المشتغلين على الوثائقيات وامتصاص العروض في هذا المجال ودعمها وتمويلها . المستفيد حقا هي الجزائر، وبلد مثل الجزائر، باذخ في تنوعه الثقافي والفكري واللساني والفني والجغرافي، مهم أن يتربّع على قناة للوثائقيات تحكي هذا التنوع وهذا الاختلاف، في التاريخ والسياسة والفن والفكر .. تلك صورتنا، ولا أفضل من أبناء هذا الوطن قدرة على تسويق الصورة التي تليق بنا .

دي زاد بيبول : إذا كان هناك شكر خاص ترغبين في توجيهه لأناس معينين سهّلوا عملك بالهقار المعروفة سلفا بصعوبة العيش و قلة الامكانيات وصعوبة الطقس والجغرافية ايضا، من يكونون؟

فتيحة بوروينة : لا يشكر الله من لا يشكر الناس، . ولا بد أن أشكر أمين عقال التوارق حاليا الحاج “أحمد إيدابير” على استقبالنا في بيته وقبول الجلوس إلينا والرد على أسئلتنا. ومثله نشكر الحاج “محمد أورزيق الشناني” ، حفيد الأمنوكال السابق “محمد أغ أورزيق” الذي استقبلنا هو الآخر في بيته و أخرج لنا الوثائق حول أمنوكالات الهقار وتاريخهم وزودّنا بالمعلومات، كما نشكر نجلته المنتخبة الولائية “فتيحة أورزيق” ، التي رافقتنا في كل التنقلات ورتّبت لنا المواعيد مع العائلات التارقية في القرى التي زرناها. والحقيقة أننا ممتنون لكل الذين دعمونا من قريب أو من بعيد دون استثناء. ومَنْ عرفت في تمنغست وقراها البعيدة كانوا خير سند لنا في عملنا وسهلوا لنا تنقلاتنا وإقامتنا ، على رأس هؤلاء عائلة “بن مسعود”، وهي من كبريات العائلات في تنمغست ( وزير السياحة الأسبق عبد القادر بن مسعود من ابنائها) وكذا السيد “محمد ويلام”، الذي وضع شقته تحت تصرف فريق العمل شهرا كاملا، إلى جانب الخبير المالي والمحاسباتي الأستاذ “العالم لخضر” ، وهو من مثقفي المنطقة بامتياز، الذي وقف على احتياجاتنا جميعها وكان رفقة الراحل النائب عن ولاية تمنغست “الوافي مولاي أحمد”، خير عون لنا لوجستيا

ماي 2020
حوار: التحرير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

ADBLOCK يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك