حوارات

الباحثة في التراث المطبخي السيدة ياسمينة سلام لـ Dz People.. الجهل بالتراث المطبخي الجزائري كبير والجزء الثاني من كتابي سيوضح الصورة أكثر

التقيناها بقصر رياس البحر بساحة الشهداء تستعد لتقديم كتابها  ” الذاكرة المطبخية  في الجزائر .. تاريخ الوصفات” ( منشورات الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار ( ANEP)  2022 .  كان الحضور قليلا  لكن النقاش كان كبيرا بحجم  مضمون الكتاب الذي قضت في إعداده أزيد من 4 سنوات كاملة، كتاب  توثيقي تاريخي عن التراث المطبخي الجزائري  المتأثر  بخصوصيات  وثقافات الحضارات والأقوام الذين تعاقبوا  على الجزائر. في هذا الحوار  تتحدث الباحثة في التراث المطبخي الجزائري السيدة ياسمينة سلام  عن منجزها وما يشبه كفاحها ليرى هذا العمل الكبير النور  في وقت لا مرجع و لا باحث  تناول هذا التاريخ   ولا اهتمام بهذا الموروث الذي تتنازع ملكيته الدول والأمم  !!

لا نحكي كفاية عن الجزائر !!

تتحدثين عن هذا الكتاب  بحماس و حب كبيرين و كأنه إبنك المدلل. كم استغرق منك إعدادُهُ؟

  هو كتاب أخذ  في الحقيقة  وقتا طويلا  ليصل إلى دور النشر ورفوف المكتبات،  لأنني و أنا  أجتهد في جمع المادة التاريخية التي تسمح  لإنجاز كتاب حول التراث المطبخي الجزائري  لم أعثر على شيء !  نعم و لا شيء عن تاريخ الطعام الجزائري، ولا إسم باحث أو مرجع أستند عليه للانطلاق في الكتابة  والتوثيق.

و لكن كيف تقررين كتابة مُصَنّفٍ حول التراث المطبخي الجزائر ي وأنتِ لا تمتلكينَ فكرة عن الموضوع على الأقل على مستوى المراجع ؟ هل غَامَرْتِ بوقتك وجهدك!!

أبدا منذ صغري و أنا مهوسة بالطبخ، نشأـت في بيئة تهتم كثيرا بالتاريخ ، بالعادات والتقاليد والمطبخ أيضا ، وأنا في  الجامعة كان والدي يرسلني في عطلة خارج الجزائر مرتين في السنة، كنت هناك أتحدث عن بلدي و قليلون كانوا يعرفون هذا  البلد لأننا لا نحكي كفاية عنه  صراحة !  لا عن جماله  وسحره و تاريخه . في مجال المطبخ لا يعرفون شيئا عن موائدنا وأطباقنا.  وأنا المولعة بالطبخ،   وأنا المهندسة الزراعية القريبة سلفا إلى التراب والخضار والأعشاب رغبت في تغيير هذه الصورة المُعَتَّمةِ عنا نحن الجزائريين ، من هنا بدأت المعركة والرحلة ، رحلة البحث والتوثيق .

تسويق كتاب  يهتم بالتأريخ للطبخ الجزائري،  في وقت تعددت برامج الطبخ و قنوات العرض ـ هل كانت العملية سهلة ؟

فعلا وجدت صعوبة في إقناع دور النشر بتبني العمل وطبعه ونشره، البعض رفضه لاعتقاده أنه كتاب للوصفات فقط ، كنت اعتقد أن عملا من هذا المستوى  الأول من نوعه  في الجزائر، سيثير اهتمام الناشرين و قد يتسابقون لاقتنائه ، لمضمونه التاريخي و لغته البسيطة ، و لأني أردته مرجعا لطلبة التاريخ  عساهم  يستفيدون منه للانطلاق نحن دراسات أكثر عمقا  و تنوعا. الواقع  كان شيئا  آخر تماما !

لا مراجع ولا باحثين .. والفرنسيون أشاروا إلى الكسكسي فقط!

 

 و هل وجدت مراجع عن الطبخ الجزائري  طالما عملك تأريخي توثيقي بالدرجة الأولى؟

لا يوجد في المكتبة الجزائرية كتب تحكي تاريخ الطبخ في الجزائر، تحكي التراث المطبخي الجزائري ، صحيح هناك كتب تستعرض وصفات قديمة للأمهات والجدات في محاولة لجمع تلك الوصفات وحمايتها من الاندثار  لكنها تبقى بلا هوية ولا تفاصيل عن أصلها وفصلها ، لا يوجد أيضا باحثين جزائريين أفردوا أعمالا للتراث المطبخي الجزائري ، يحزنني توفر كتب في تونس و المغرب عن تاريخ مطبخهما ولا تتوفر المادة لدينا   ولهذا السبب رحت أقرأ  الكثير من المراجع ، قرأت كتبا بالعربية مثل  ” كتاب الطبخ ”  لإبراهيم ابن المهدي، وهو أول كتاب طبخ باللغة العربية و ” الألواح البابلية” التي يعود تاريخها الى 400 سنة قبل الميلاد، وكتاب آخر لابن سيار الوراق  وهو  أول كتاب يصل إلينا  كاملا . قرأت  كتبا  أخرى على قلتها  مترجمة الى الإنجليزية و الاسبانية ( أنا أحسن اللغة الإسبانية) تقدم معلومات عن طعام النوميديين أو عن مطبخ الأمويين والعباسيين والأندلسيين أو حتى العثمانيين. بعض الكتب وجدت فيها وصفات تعود لأهل كتامة وبجاية تعود للقرن 13 ميلادي، وبحثت  في حياة بعض الحكام   والأمراء  والسلاطين  ممن كان لهم علاقة بالجزائر  من بينهم  زيري بن مناد و يوسف بن تاشفين .

ماذا عن الفرنسيين زمن الاستعمار وقبله بكثير، هل وجدتِ فيما كتبه الأنثروبولوجيون و المستشرقون الذين كُلِفوا بمهام  دراسة المجتمع الجزائري  و لتوغل في حياة ( الأهالي) لمعرفتهم من الداخل ، هل هناك إشارة مثلا للمطبخ الجزائري و طعام الجزائريين آنذاك؟

في بعض الكتب التي وقعت بين يدي  وأنا أبحث  عن شيء يحيلني إلى التراث المطبخي الجزائري ، وجدت كثير من الباحثين الفرنسيين والمستشرقين والانثروبولوجببن يتحدثون عن أسماء أماكن وأسماء أشخاص وأسماء  بعض الألبسة التقليدية وقصص عن العادات والتقاليد ، لكنهم عندما كانوا  يتحدثون عن الطعام فإن الذي  كان يتكرر الحديث عنه إنما هو الكسكسي .

أُصِبت بالإحباط واليأس و ( الأناب ) أنصفت جهدي

تتحدثين عن رحلة شاقة في البحث عن دار نشر تتبنى العمل وتطبعه و تنشره، كيف توصلت إلى إقناع المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والتوزيع بأهمية الكتاب وهي مؤسسة  عمومية هامة و كبيرة؟

لا أخفيكِ أنه أصابني  الإحباط واليأس،  إلى درجة  وضعت الكتاب في دُرْجِ المكتب وقلت لأولادي سيأتي اليوم الذي سيرى  النور  ويجد من يوليه الأهمية التي تليق بمضمونه وبالجهد الذي بُدِل فيه ، فبعض دور النشر ،  خاصة وعمومية،  رفضت طبع الكتاب على حسابها وبعض آخر  قال لا تهمه كتب الطبخ، وبعض ثالث يعتقد أن العامة تبحث عن الوصفات لا التاريخ  معتقدا أن هذا النوع من العمل نخبوي  بمعنى قراؤه  قليلون ولن يدر عليه أرباحا!!  بقيت على هذا الحال إلى أن دق هاتف مسؤولة النشر بالمؤسسة الوطنية للنشر الإشهار ، السيدة لامية حماش،  كانت تريدني أن أشارك في مشروع  له علاقة بالكسكسي، طبعا  استغليت الفرصة لألفت نظرها إلى كتابي المركون في عُمقِ الدُرجِ  ، وأقول لها أن بحوزتي عملا ثقيلا حول التراث المطبخي الجزائري بما فيه الكسكسي، فرحتُها كانت كبيرة وهي تدعوني إلى تسليمها نسخة للاطلاع عليها، وطبعا أُعجٍبت بالعمل بل ودعتني إلى تعزيز المضمون بصور عن الوصفات التي أحكي تاريخها ( 18 وصفة من بين 35 وصفة تم اختيارها ) ، أكثر من هذا ، حَرَصَت السيدة لامية حماش أن يكون  الكتاب حاضرا  في الصالون الدولي للكتاب  ( SILA 2022) . لم أكن أحلم بذلك !!

وانتِ تكتشفين هذا الكَمَّ المُهِم من المعلومات التاريخية التي تحكي عن المطبخ الجزائري في كتب لم تكونِ تظنين أنها تتحدث عن الطعام الجزائري ، هل عزّزَ لديك القناعة بأن الواجب يستدعي المُضِي في هذا البحث لإنجاز أعمال أخرى  في نفس الاتجاه ، أي البحث التاريخي؟

لا شك طبعا ، ثم إن اهتمام المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع ( ANEP)  أعطاني دفعا قويا  للاستمرار في العمل ، نفسيا انفتحت شهيتي على العمل وأنا أعلم أن هذا الجهد لن يذهب سُدَى وأن ثمة جهة ستتكفل به، ومن هنا جاء  اشتغالي على الجزء الثاني من كتاب ” الذاكرة المطبخبة للجزائر ” ليكون جاهزا العام 2023 بحول الله.  أفعل هذا لقناعتي أن تراثا مطبخيا جزائريا  مُهِمًا  يتم تغييبه عن جهل ، ولهذا السبب حرصت أن أتوجه بالكتاب  إلى الجزائريين أولا  لا إلى الخارج . مؤسف أن بلدا مثل الجزائر غني بتنوعه الثقافي والفني والهوياتي  واللغوي يبقى لصيق وصفة أو اثنين  و يعتقد أنها كل مطبخه!! لقد تكلمت عن هذا على قناة “سميرة تيفي” في برنامج من ” تراث بلادي” عندما استغربت أن الجزائريين ( الشمال خاصة) عندما يتحدثون عن مبطخ العيد فالجميع تقريبا يذكر البكبوكة و البوزلوف !  فيما اكتشفت وأنا أبحث،  أن لدينا وصفات وأطباق للعيد تراثية لا يعرفها الناس ! في الصحراء اكتشفوا البصل المجفف قبل ما يكتشفه الشمال و الغرب أيضا !!

تعرضنا للنهب والسرقة لأننا تقاعسنا عن كتابة تاريخنا!

تُقِرّينَ على بيّنة  أن الجزائر تجهل تراثها المطبخي، هل يحق لها  أن تغضب مما تُسَمِّيه  نهب و سرقة تراثها  لا  في الطبخ فقط بل في اللباس التقليدي والاغنية التراثية الشعبية و غيرها من  مظاهر التراث الثقافي المادي و اللامادي ؟

إن الطبيعة لا  تأبى الفراغ، و طبيعي أن ينسب آخرون ما نَعْتَقِدُه مِلكُنا  إلى أنفسهم ،  نحن مقصرون تجاه هذا التراث  و لم نجتهد في البحث عن أصوله، نحن لا نكتب تاريخنا للأسف. أذكر  وأنا أبحث في تاريخ المطبخ الجزائري أني  وقعت على كتبِ فرنسيين يشيرون فيها إلى الحرفيين الجزائريين الذي كانوا  زمن الاستعمار الفرنسي يتنقلون إلى الحواضر العربية البعيدة والقريبة على رأسها المغرب وسوريا لتكوين  الحرفيين في مجال الطرز مثلا و حِرَفٍ كثيرة أخرى .فكيف نردّد أن لا شيء لدينا !!  لا أريد الدخول مجددا  في الجدل الذي أثير حول أصل الكسكسي ، أهو جزائري أو مغربي أو تونسي أو مغاربي؟ أٌدْرِكُ أن الإنسانية تتشارك في الكثير من الأمور من بينها الطعام بفعل التثاقف والتلاقح الحضاري   ، حدث هذا عندنا في الجزائر التي مرت عليها الكثير من الحضارات و الأقوام ( الحقبة النوميدية، والرومانية، والإسلامية، والأندلسية، والعثمانية وغيرها) ، إننا نِتَاجَ هذا الزخم الحضاري والثقافي والهوياتي،  وأنا ضد المطالب التي تريد أن تنسب لنفسها  أصل ومنشأ هذا أو ذلك من الاطباق ! وإن كان للجزائر فضل على الكسكسي ففي وصوله للعالمية،  في حصول الجزائر على الميداليات الأولى في تحضير الكسكسي و هو ما يجب أن ندافع عنه أي خصوصياتنا في التعامل مع  هذا الطبق  الذي يجمع بين البساطة والفخامة!

نشهد في الآونة الأخيرة  مع تنامي شبكات التواصل الاجتماعي، و تعدد القنوات و برامج الطبخ،  ما يشبه (دمقرطة) فعل الطبخ،  إذ صار  باستطاعة الهواة والمحترفين إطلاق قنواتهم للطبخ، لكن بدعوى العصرنة  ثمة توجّه لدى هؤلاء قد يقضي نهائيا على أصالة الأطباق وخصوصياتها  عندما صاروا يجنحون إلى ما يسمى إعادة زيارة الطبق ( Revisiter un Plat ) !

أنا لا أحب هذه الكلمة صراحة، أي  إعادة زيارة  طبق ما ، أخشى ما أخشاه أن يقود هذا التوجه إلى إتلاف هوية أطباقنا التقليدية الأصيلة ، نحن أصلا نعاني  لإثبات أطباقنا  عالميا فما بالنا إذا  فقدت هذه الأطباق هويتها و أصالتها . أنا  مع أن  نستعين بالعلم  في تحضير الأطباق لتكون صحية  مثلا لا أن ندخل عليها عناصر لا تمت لها بصلة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

ADBLOCK يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك