تلفزيون

انخراط رجال المال في أعمال رمضان.. عملية تجارية بحثة أم بريستيج ثقافي ؟

في وقت اعتقد كثيرون أن كورونا وما بعد كورونا وما ترتب عنها من آثار سلبية على مستوى الاقتصاد والتجارة ، أدى إلى شلِّ بعض الشركات وإفلاس أخرى و تراجع أداء البعص منها،  كانت السبب الرئيس في إحجام الرعاة من أصحاب الشركات التجارية الكبرى على تمويل البرامج الرمضانية  بالأخص في الثلاث سنوات الماضية، ضف إلى ذلك  حراك 22 فيفري 2019 الذي هزّ استقرار بعض الشركات و زاد من قلق أصحاب المال بشأن الأفق السياسي و مناخ الأعمال ، برزت هذا رمضان الرعاية المالية بشكل كبير و لافت للانتباه في كل الأعمال الإنتاجية على اختلاف أجناسها!

رعاية لافتة .. ماذا عن المُتخلِّفِين؟

وتَصَدَرت قائمة الرُعاة ( Sponsors ) هذه السنة شركات كبرى خاصة  ( رامي و حمود بوعلام و كوكا كولا ) التي  ظلت في وقت مضى ترافق الإنتاجات الرمضانية  بمستويات مختلفة، الأعمال الدرامية التراجيدية والكوميدية  على حد سواء والبرامج الاجتماعية ذات البعد الإنساني ، قبل أن تلقي جائحة كورونا بضلالها السلبية على الأداءات الاقتصادية والتجارية عامة. فشهدنا تراجعا لهذه الشركات واحتشاما في منح الرعاية. لكن اللافت، أنه مقابل انخراط بعض الشركات الكبرى  في تمويل الانتاجات الرمضانية، بالأخص تلك النشطة في مجال المشروبات على اختلاف أنواعها، ( لمعت) شركات تجارية كبرى  بإحجامها عن التمويل وتراجعها في الاستثمار في الإشهار التلفزيوني نذكر على سبيل المثال سوق الهاتف النقال ( باستثناء موبليس وبدرجة أقل أوريدو )  وسوق  الصناعات الغذائية بكل فروعها  تقريبا،  والبنوك والمؤسسات المصرفية!!

تونس .. الأزمة كبيرة و (هايكا) تقترح

في دول أخرى، فرنسا تحديدا ومصر حيث الآلة التسويقية و الإعلامية هناك هائلة جدا الأخص في علاقتها بالمجال الفني والسينمائي ، حَرَصَ المُعلِنون في عز الازمة الاقتصادية  المترتبة عن جائحة كورونا على عدم تقليص ميزانية الرعاية والإشهار فقط لدعم مجال السمعي البصري الذي يبقى الإشهار موردَهُ المالي الحيوي للبقاء في المشهد  وكذا دعم حرية التعبير وحرية الإبداع .  في تونس الأمر ليس كذلك و يبدو أن أزمة ” كوفيد 19″  ألقت بظلالها على حجم  الإنتاجات الرمضانية خلال الـ 3 سنوات الماضية، ولهذا السبب حرصت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ( HAICA ) ، الثلاثاء الفارط  في سهرة رمضانية حوارية تحت عنوان: “الأعمال التلفزية الرمضانية بين النقد والتعديل”، بحضور ومشاركة مختلف الفاعلين في المشهد الفني والدرامي التونسي وهياكل وعدد من منظمات المجتمع المدني وخبراء في مجال الإعلام والاتصال وإعلاميين ونقاد وكتاب سيناريو ومخرجين وممثلين، حرصت في  التوصيات التي خرجت بها الندوة على التأكيد على ” إحداث صندوق للمساهمة في دعم الأعمال الدرامية التلفزية والإذاعية”  على غرار ما هو معمول به في قطاع السينما.

فرنسا .. الرعاية رغم كوفيد!

في فرنسا الوضع مختلف أيضا،  ففي دراسة تم إنجازها مع 100 معلن في فرنسا في ماي 2020 ، أي في عز جائحة كورونا ، وفي سؤال حول تَوَجُهَات ميزانية الرعاية خلال الـ 12 شهر المقبلة ، أجاب 52% من المٌعلنين أنهم سيحتفظون بالرعاية ـ أي سيواصلون في منح الرعاية كما السابق ، فيما أجاب 15% فقط من المعلنين أنهم سيتوجهون إلى تقليص الميزانية مقابل 5% فقط قرروا  إلغاء الميزانية المخصصة للرعاية و الإشهار  و28 % قرروا تأجيل ملف الميزانية والرعاية إلى آجال أخرى

 الرابح الأكبر .. المشهد الثقافي برمته

ولعل السؤال الذي يُطرح، هل انخراط رجال المال والأعمال في المشهد الإنتاجي الرمضاني ، بمعنى مساهماتهم في تمويل و رعاية  البرامج التي تعدها القنوات في شبكتها الرمضانية ، سواء بالاعتماد على طاقمها البشري الداخلي أم بالاستعانة بمنتجين خواص، هل هي عملية تجارية بحثة الغرض منها البحث عن منافذ تسويقية أكثر فعالية وأكبر تأثير ( Impact ) على المشاهد المستهلك  لتحقيق ما يسمى في لغة التسويق الإشهاري ( Visibilty) أوسع،  الهدف منها زيادة مبيعات المنتوج، أي اكتساب مستهلكين جُدُد،  على اعتبار ان السبونسورينغ  هو أداة استراتيجية في الاتصال والتطوير، أم هو البحث عن البريستيج الثقافي وصيانة سمعة الماركة أو ” الأُبَّهَة” كما يقول المصريون، أم هو بلغة الأكاديميين كما يقول عالم الإجتماع الفرنسي وأحد الفاعلين الأساسين في الحياة الثقافية والفنية والفكرية في فرنسا الراحل  بيار  بورديو، البحث عن  “درجة من البرستيج أو الشهرة أو الشرف” و “اكتساب الجدارة وصورة الاحترام والتبجيل”.

 والحقيقة أنه في كلتا الحاليتين ،سواء أكانت رعاية البرامج الرمضانية من أجل تحقيق مكاسب تجارية أكبر وأهم ، أو كانت الرعاية من أجل البريستيج الثقافي، أي أن أصحاب المال والأعمال مهتمون بالثقافة  وكأني بهم يقولون لا خصومة بين المال و الثقافة في ردهم على من يزعم إن المال والثقافة لا يجتمعان، فإن المستفيد الأول هو المشهد الثقافي و الإبداع الفني رغم المآخذ الكثيرة على مضامينه !!

الأمل كل الأمل أن تخرج الرعاية بالشكل والحجم الذي نراه في رمضان عن طابعها الموسمي و تمتد إلى باقي أشهر السنة لتجاوز ما يمكن اعتباره معضلة الإنتاج التلفزيوني الذي يبقى رهين الموسمية و يعاني الكثير من الثقل خارج رمضان !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

ADBLOCK يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك