تلفزيون

برامج التولك شو.. كلام في الهواء أم مساحة للنقاش الجاد !

ظلت وما تزال برامج التولك شو ( Talk-Show) من أكثر البرامج التلفزيونية متابعة  لجمعها بين الترفيه وأخبار اليوم أو الحدث، وظل نجوم الإعلام أو السياسة أو الفن أو السينما عادة هم من يرفعون من نسب مشاهدتها سواء كمقدمين أو كمشاركين في النقاش ، لكن يبدو أن بريق هذه البرامج بدأ في الأفول بسبب عوامل نتحدث عنها و لا يمكن للجزائر بناء على ما شهدناه في رمضان 2022 أن تستثنى منها!

نقاش ديوي- ستاسن  .. أول تولك شو أمريكي

تظل برامج التولك شو  في الولايات المتحدة الأمريكية من أفضل وأكبر البرامج التي يتابعها الناس منذ سبعينيات  القرن الماضي ، تقفز هذه البرامج إلى مستويات خيالية  في نسب المشاهدة عند كل استحقاق رئاسي أو ظرف استثنائي  يشغل الرأي العام هناك  كالأزمات المالية وحروب أمريكا الخارجية وفضائح الرؤساء وكبار المسؤولين في الدولة.

 لقد لمَعَ  ” نقاش ديوي- ستاسن ” (Débat Dewey–Stassen ) الذي جرى نهاية الأربعينات  بين “توماس ديوي” الحاكم العام لولاية نيويورك  و “هارولد ستاسن” حاكم ولاية مينيسوتا  خلال رئاسيات 1948،  بعدما  تَمَّ  بثُهُ إذاعيا  و تابعه ما يقارب 40 مليون أمريكي !!  كان ذلك أول برنامج نقاش عصري في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تناسلت منه فكرة التولك شو ! أورسون ويلس ( Orson Welles)  يصف التولك شو بأنه  ”  إذاعة مصورة ” .

سقوط في فخ البوز!!

في فرنسا، وبعد فترة ذهبية لبرامج التولك شو، سنوات التسعينات وبداية الألفية  نذكر منهم  ((C dans l’air و (Ciel mon mardi) و ( On ne peut pas plaire à tout le monde )و ( Frou Frou  ) أو (Tout Le Monde En Parle )  حيث كان النقاش فيها نقاش المختصين، والمقدمون نجوما كبار  ، سقطت برامج  التولك شو الفترة الأخيرة في فخ البوز ( Buzz )، وهي مصيبة مثيلتها في الجزائر، ويسمى هذا النوع من البرامج ببرامج التولك شو الترقوي التي تعيش على ريتم البوز من خلال استضافة فنانين او فاعلين يأتون البلاطو للحديث عن أفلامهم أو مسرحيتهم  أو كتبهم أو ألبوماتهم الغنائية من مثل (Touche pas à mon poste  ) أو ( On n’est pas encore couché  )  !

سلالة النجوم في انقراض!

ظلت برامج التولك شو في مصر الأهم على الإطلاق  قبل أزيد من عشر سنوات ، تحظى بشعبية  كبيرة و يتابعها المصريون في بيوتهم وفي المقاهي والنوادي والشوارع،  وتكون غاليا هي الترند ( Trend ) يوميا  بالأخص بعد ثورات الربيع العربي والأزمة المصرية 2011.  لكن يبدو ان هذا النوع من البرامج بدأ  يفقد بريقه  بل بدأ في التراجع  بسبب موضوع الكاريزما نفسه ! غياب الكاريزما و الحضور والثقافة لدى مقدمي البرنامج ، فضلا عن إقحام كرونيكرز غير متخصصين يقولون كلاما عاما وسطحيا  لفرط الاعتماد على التسلية والإثارة.   لقد انخفضت نسب مشاهدة هذه البرامج لأن سلالة نجوم التولك شو بدأت في الانقراض ( هكذا يقول النقاد في مصر ) لقد حلّ محلهم نجوم التيك توك و الأنفلوورز و اليوتيوبرز ، والناس بدأت تهجر التلفزيونات باتجاه منصات التواصل الاجتماعي على اختلاف تسميتها !

في الجزائر .. حدث و لا حرج !!

أكثر من 10 برامج توك شو  في هذا رمضان ( 2022)  على قنوات النهار ( زابينغ رمضان ) وعلى البلاد ( بريفينغ)  وعلى الشروق  نيوز ( حنا في رضان ) و ( رمضان زمان) وعلى الشروق ( ما تقول لحتى واحد ) و ( لمتنا تحلى ) وعلى الهداف ( ما عندنا حاجة)  وعلى  بور ( Women’s  Show ) وعلى الوطنية ( سهرة رمضان ) و على التلفزيون العمومي ( استوديو FM) ، كلها تحاول أن تجمع بين الترفيه وأخبار اليوم ( Actualités   ) أو ما يسمى بالإنجليزية الـ (infotainment ) .

في بعض التعاليق التي نقرؤها على منصات التواصل الإجتماعي ، صار ما يقال في برامج التوط شو “كلام في الهواء”  أي مادة سطحية بل و سريعة التلف ، وجزء كبير في هذا  مرّده ان غالبية المحاورين  ليست لهم الخلفية المطلوبة للذهاب إلى العمق لمناقشة موضوع له علاقة بالدراما أو التجارب الاجتماعية أو الكاميرات الخفية مثلا من حيث آثارها ومضامينها ، فالعمق غالبا  يتأتى من تحليل المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع  والنقاد الفنيين و المسرحيين والسينمائيين ، بعض الكرونيكورز ( Chroniqueurs  ) لم يكتب مقالا نقديا واحدا في حياته ويُشهِرُ سيفا يقطع به رؤوس المجتهدين !! بل ويحدّد الفاشل والناجح من البرامج !

نحن أمام معايير اختيار الكرونيكور غير واضحة و لا تستند إلى معايير الاحترافية والاختصاص والأهلية،   فضلا عن ان هذه البرامج في مجملها بلا جمهور مع أن من خصائص برامج التولك شو أن يكون هناك جمهور يتفاعل مع تدخلات الضيوف و الكرونيكورز ، و أن تكون هناك  وصلات غنائية  (الجانب الفني و الثقافي)  ويمتد النقاش فيها لمواضيع في الثقافة و الفن و السياسة و الاقتصاد و ما يدور من نقاش على مستوى السوشيل ميديا ، يتولى مناقشتها دكاترة في هذه المجالات أو أكاديميين أو صحفيين متخصصين لهم باع طويل في الممارسة الإعلامية ، ولعل من أهم خصائص هذا النوع من البرامج تمتع مقدم البرنامج بكاريزما تجعل المشاهدين يتعلقون بمقدم البرنامج اكثر من شيء آخر !

من يقيّم مَنْ؟

من يقيّم  برامج التولك شو وغيرها من البرامج التي تابعها الجزائريون في رمضان ؟ السؤال يبقى مطروحا في غياب ندوات يُدعى إليها المختصون و الأكاديميون لتقييم الأعمال الرمضانية على غرار ما قامت به الثلاثاء  الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس ( HAICA  ) التي نظمت سهرة رمضانية حوارية تحت عنوان: “الأعمال التلفزية  الرمضانية بين النقد والتعديل” دعت إليها مختلف الفاعلين في المشهد الفني والدرامي التونسي وهياكل وعدد من منظمات المجتمع المدني وخبراء في مجال الإعلام والاتصال وإعلاميين ونقاد وكتاب سيناريو ومخرجين وممثلين . فأين هم الخبراء وأين هي سلطة ضبط السمعي البصري من كل ما عرض على شاشة رمضان 2022 في الجزائر ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

ADBLOCK يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك