تلفزيون

التهجين اللغوي بلغ مداه وسلطة الضبط لا تحرك ساكنا .. هل ستختفي اللغة العربية يوما من عناوين البرامج المتلفزة

في شهر فيفري  الماضي  وجهت  الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس ( HAICA )   ما يسمى هناك  ( لفت نظر”  وهو تنبيه  قد يسبق الإنذار أو العقوبة، لقناتين إذاعيتين خاصتين  ” جوهرة أف أم”  و  “أكسبراس أف.أم”  بسبب ما اعتبرته  ” الخلط الحاصل على مستوى استعمال اللغة أو اللغات في مختلف المضامين الإعلامية واعتماد لغة هجينة تقوم على الخلط بين اللغة التونسية واللهجة التونسية واللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية”  و هو ما يُعَدُّ حسب الهيئة التونسية خرقا   لمقتضبات  كراس الشروط الذي يفرض على كل البرامج  التحدث  بلغة واحدة  ودقيقة . لتفادي  إحداث خلط لدى المشاهدين .

سلطة ضبط السمعي البصري.. أي دور ؟

في الجزائر لم يَحْصُل أن تدخلت سلطة ضبط السمعي البصري عندنا  في مسائل تتصل  بالاستعمال اللغوي في البرامج التلفزيونية أو لإذاعية على حد سواء،  ولعل آخر تدخلاتها  كان على خلفية ما ورد إليها من شكاوى، وما راج بخصوص  ما قالت أنها “تجاوزات  تمس بقدسية شهر رمضان الكريم”  تم رصدها  في بعض حلقات عملين دراميين  و يتعلق الامر بمسلسلي ” حب الملوك”  الذي يبث على قناة النهار  و “بابور اللوح” الذي تبثه  قناة الشروق, و استدعائها أيضا قبل يوم فقط المديرة العامة لقناة سميرة تيفي على خلفية ما ورد في إحدى قعدات برنامح ” ثرات بلادي “

و رغم المجزرة الحاصلة في حق اللغة العربية  على مستوى عناوين البرامج التلفزيونية وبدرجة أقل البرامج الإذاعية فإن سلطة ضبط السمعي البصري لا تجد الأمر  مقلقا  ولا خارقا  لدفتر الشروط  وهي المدعوة حسب مهامها  إلى ” السهر على ترقية اللغتين الوطنيتين والثقافة الوطنية  ودعمهما”  و مُطالبة بمقتصى صلاحياتها  في مجال المراقبة  بـ ” التأكد من احترام الحصص الدنيا المخصصة للإنتاج السمعي البصري الوطني  والتعبير باللغتين الوطنيتين”  و ” السهر على احترام المبادئ والقواعد المطبقة على النشاط السمعي البصري وكذا تطبيق دفاتر الشروط” .

تهجين لغوي .. وعربية تستنجد

وتكفي العودة إلى البرامج التي يتابعها المشاهد الجزائري في هذا رمضان لنقف على هول التلوث اللغوي الذي يطال المشهد السمعي البصري، في بعض البلاطوهات وفي بعض عناوين البرامج  وفي المضامين الإشهارية ( والطامة هنا كبرى )  تهجين لساني أنتج  رطانة لغوية  صارت لغة متداولة!  و يطال التهجين اللغوي إذا تحدثنا عن  البرامج الرمضانية التي تعرض حاليا  تلك المتعلقة بالكاميرات الخفية والتجارب الإجتماعية  والسيتكومات الكوميدية وبرامج الألعاب و الترفيه  والرياضة وأخيرا برامج التولك شو ( Talk Show )، من جانبها  تخلو برامج الأطفال في معظمها و البرامج الدينية في مجملها  من هذا التلوث اللغوي!! عناوين بلغة عربية جميلة و بسيطة .

مصيبة عامة .. و ضعف اللغة من ضعف أهلها

ويُحاول ألسنيون ومشتغلون على اللغات في بلاد أخرى،  في مصر و لبنان و تونس مثلا ( التهجين اللغوي ليس صناعة جزائرية ولا مصيبة محلية ) فهم  أسباب الاستخدام المتزايد للغة الهجينة، فهم يُعَرٍّفُون  التهجين بأنه ” عملية مزج أو خلط بين لغتين أو أكثر يحّرف اللغة الأصلية من قواعدها ونظامها اللغوي ”  في الجزائر، كثيرون حذروا من التهجين اللغوي المنتشر حاليا، الدكتور العربي ، دعا قبل أزيد من 10 سنوات عندما كان رئيسا للمجلس الأعلى للغة العربية، دعا   إلى استعجالية ”  إيجاد حلول ناجعة لإشكالية انتشار التهجين اللساني والعلاقة بين الألسنة الثلاثة الأكثر استعمالا وهي العربية والأمازيغية والفرنسية” .

وتعتقد من جانيها  الدكتورة  أمال بوقرة ، في  ورقة بحثية  قدمتها في مؤتمر علمي  دولي  في أنطاكيا بتركيا  العام 2018  حول ” لغة الخطاب الإعلامي الإذاعي بين التهجين والفصحى ”  أن التوجه نحو اللغة الهجينة له أسباب لعل أبرزها _ ” افتقاد المرجعية الوطنية والجري وراء المرجعيات الغربية ” و  ” الشعور بضعف اللغة العربية  و أنها غير قادرة على استيعاب تحولات العصر الرقمي ”  الذي يحتاج حسبهم  إلى اللغات الأخرى  وليس للعربية قدرة على أداء ذلك باعتبارها كما يعتقد البعض جهلا  ” لغة التراث لا الحداثة ” .

 لقد قال بن خلدون منذ آلاف السنين في مقدمته :” إن غلبة اللغة بغلبة أهلها” ، والضعف الذي نتمرغ فيه منذ سنين طويلة لا شك ينتج لغة هجينة هي اللغة العربيزية ، لغة العصر الجديد عند شبابنا ، عصر الهوان الذي يشبه اللغة الهجينة في كل شيء ، في ضعفها  و تفككها  وضياع هويتها !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

ADBLOCK يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك